امراه في دوامه للقاصه التونسيه فاتن المشرقي
ولدت لتكون الانثى الوحيدة في عائلتها تشبه تعب الام وعجز الاب... كانت في الخامسه عشرة من عمرها تشبه امها الخمسينية لم ترد المدارس ولم تزاحم مثيلاتها في الصف ولم تحمل حقيبة الاحلام ،
اجبروها على الزواج فقط كي لا تبقى عبءا في البيت فهي لا تفقه القراءة والكتابة... ندوبات وجهها تمنعها من ان تكون الانثى الجميله . ولدت لتكون وحيده ، الكل ينفر منها لانها لا ترتدي ثوبا جميلا و لا تجيد تسريحات مختلفة في شعرها
ولا تتمايل في مشيتها ...لا تثرثر، لا تجرأ على القهقه ، صوتها مجروح
مزعج اذا ارتفع صوتها.
تزوجت ذاك السكير الهائم ليشبعها ضربا اواخر الليل وعند الصباح ولا يمكن لها رد الفعل لانه قدرها.
قدرها ان تقنع بوابل من اللعنات فهي لا تملك خيارا وتعجز عن القرار .
كل شيء في حياتها خشن غير مريح، القوانين و العادات والمستجدات.
الحاجة تطاردها تدفعها الى طرق التسول فلا مفر.
الجسم نحيل والبطن خاو مازالت متعلقة بالحياة لعل غدا يحمل خيرا.
حملتها سيقانها المتورمة المثقلة باليأس بعيدا من براثن الزوج إلى الازقة الملتويه ، تجر اذيال الخيبة وتمضغ مرارة الخجل لتفترش الطريق وتستعطف المارة شيئا مما عندهم تطفئ به جوعها حتى ينتهي اليوم لتولد من جديد مع بزوغ شمس دهر اخر...
اصبح ذلك منعطف حياتها الجديد إذ لا تطلب شيئا سوى يوم اخر في الحياة ، رغم قسوتها تبتسم وهي ترمق بني جنسها يقرعون الارض باحذيتهم اللامعه يقطعون الطرقات جيئة وذهابا انوفهم شامخة، ابصارهم شاخصة ، يلهثون وراء ضحكات الحياة.
اما هي فالفتها الطرقات ومحطات المترو وذاك الحصير امام باب المسجد. و بعد لأي تسند راسها على الدرج وتغط في نوم عميق غير ابهة بما يحمله ما تبقى من ليل الدجى ومنبلج صباح الغد
حد أملها ساعات قليلة قادمة تطول فيها انفاسها .
اجل... هي لا تفكر بالسنه القادمه والشهر المقبل... هي فقط تطمح لساعات او ربما دقائق ...
تلاحقت الساعات والاماني الضيقة حتى اخذ منها التعب ما بقي من بريقها فلم تعد رجلاها قادرة على حملها وقد زلقت الارصفة بمياه الأمطار معلنة حلول الشتاء .
وفي ليلة باردة حين هدات ضربات الاحذية على جليز الطرقات واحتمى كل ببيته وتدفأ بعائلته اتخذت لنفسها مكانا ناحية الضوء تسترق احلاما واهيه وتسأتنس بصخب الاطفال في البيوت يصرخون بدلال يفرضون ، يطلبون يتوعدون ينهون الآباء والامهات عما يشتهون....
اتكأت، تهدهد بطنها الصارخ و رائحة الاطعمة تدغدغ انفها المتيبس بردا ، تلحفت الارض بيأس محارب في النفس الاخير واستسلمت فاسدلت جفونها مسندة ظهرها الى الجدار وتاهت في تلك الفوضى الحلم اين كانت امها تداعبها تلثمها بين الفينة والاخرى... تدفعها بحب ليتلقفها الاب برفق فتقبل راسه ويده وتزيح عنه تعب يومه ، يحكي لها قصصا يكون الخير بطلها ويزين لها لوحة الحياة بما لذ وطاب من المثل لتسكن اخر الليل لحضن الام وهي تمرر يدها بسحر على راسها تهدهدها وتختم لها القصص بانتصار الامير البطل وزواج الملكة الجميله لتضيئ الكائنات من حولها فرحا....
احتضن الصقيع جسمها النحيل
اجتاح العروق جمدها واعتصر الروح لتهجرها في صمت، محفوفة بصخب الامنيات
يقال انها كانت في أمة ما كان الطير بها يجوع...
تعليقات
إرسال تعليق