قرار قطع الغاز عن إسرائيل واستحضار وطنية ثورة 25 يناير
ضوء أحمر
|
||
|
||
25/04/2012 10:37:53 م
g.zahran2005@hotmail.com - بقلم : د. جمال زهران - رئيس قسم العلوم السياسية - جامعة بورسعيد
|
||
لاشك أن قرار قطع الغاز عن إسرائيل أثلج صدر كل مصري وطني غيور علي هذا البلد ودوره القومي والإقليمي المفقود، وعلي ثورته العظيمة التي تفجرت في ٥٢ يناير ١١٠٢م. وقد أعلنت تقديري فور الاستماع إلي هذا الخبر، لكل من شارك في اتخاذ القرار والجهات المسئولة »وزارة البترول - الحكومة - المجلس العسكري« ولايستطيع أحد أن ينكر أن حلم كل مصري وطني لا يري إلا المصلحة العليا لهذا الوطن، وليس مجرد مصلحته الخاصة.ألا يري إسرائيل ذلك الكيان العنصري الاستعماري في خريطة المنطقة وواقعها، بل يتمني إزالتها من الوجود. ولذلك فإن قطع الغاز عن إسرائيل هو تصحيح لخطأ استراتيجي وقع فيه نظام مبارك الذي كانت تعتبره إسرائيل »الكنز الاستراتيجي« لها. فقد وافق مبارك علي تصدير الغاز لإسرائيل عبر شركة امتلكها صديقه حسين سالم، وتقاسما العمولات علي حساب الشعب المصري ومن وراء ظهره، كجزء من سلسلة التنازلات الضخمة لإسرائيل مقابل الرضي الأمريكي والإسرائيلي معا علي الوريث جمال مبارك الذي كان يتم الترتيب له لخلافة والده »مبارك الكبير«. فقد سبق أن وافق علي اتفاقية الكويز، واتفاقيات »المعابر« بين مصر وغزة وإسرائيل، والإفراج عن الجواسيس الإسرائيليين وأبرزهم عزام عزام ولذلك فإن التقييم النهائي لنظام مبارك تركز في اتباع سياسات خارجية خاصة تجاه إسرائيل وأمريكا قائمة علي التفريط في الثوابت الوطنية، واصطبغ بعدم الوطنية مقابل تمرير مشروع التوريث، أي لأجل أهداف داخلية ذاتية. أي أن حسني مبارك، قد ضحي بالوطنية المصرية، من أجل مصالح خاصة، كان من جراء ذلك ثورة الشعب المصري عليه في ٥٢ يناير، وأطاح به، وطالب بإسقاط نظامه الذي لم يسقط بعد.. وبالتالي فإن هناك البعد الوطني القومي في الثورة المصرية، والذي يحتاج إلي استحضار، وقد لخصت ثورة ٥٢ يناير بشبابها الفتي الذي يتسم بالوطنية ـ وهي بديهية ـ وبالحماس الوطني، وبالغيرة علي الوطن، موقفها القومي في الإصرار علي طرد السفارة الصهيونية من القاهرة، وتبدي ذلك في حصار الشباب للسفارة حتي أجبر السفير الصهيوني علي الرحيل إلي غير رجعة. ولم يعد تستطيع أن يدخل السفارة، ولم يستطع أن يجد مقراً بديلا لأن الشعب المصري كان يرفض وجود هذه السفارة اللقيطة في أي مكان علي أرض. بل لم يستطع أن تعمل السفارة الصهيونية إلا من خلال السفارة الأمريكية في ظاهرة دبلوماسية نادرة الحدوث، بعد أن تم تخفيض عدد الدبلوماسيين من ٠٨ إلي ٤ فقط! كما عبرت الثورة عن غضبها لتصدير الغاز لإسرائيل، بإصرار جماعات غير معروفة علي ضرب خط انابيب الغاز المصدر لإسرائيل (٦١) مرة دون تمكن السلطات المصرية من إلقاء القبض علي أي شخص قام بهذه المهمة الوطنية من خلال عيون الثورة ورموزها. واستهدف هذا العمل الذي تراه القلة - صاحبة المصلحة في استمرار نظام مبارك - انه عمل تخريبي!، محاولين اجبار السلطة في مصر علي وقف تصدير الغاز لإسرائيل، وسيظل الضغط الشعبي والثوري مستمراً، حتي يتم إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية وإعادة صياغة الدور الإقليمي والقومي لمصر الثورة بعد أن غابت مصر وغيبت عن ممارسة هذا الدور الوطني طيلة ثلاثين عاما قضاها مبارك المسن في الحكم (١٨٩١-١١٠٢).وفي تقييم لقرار الحكومة المصرية بقطع الغاز المصري عن إسرائيل، يمكن ان نرصد ما يلي:١- القرار سياسي بإخراج اقتصادي: فجميع القرارات الاقتصادية هي قرارات سياسية أصلا، ولا يمكن عزل مثل هذا القرار عن الخيارات السياسية للحكومة في هذا التوقيت. وإذا صرح وزير البترول عبدالله غراب، بأن القرار اقتصادي نابع من عدم سداد الشركة المصدرة »الشرق الأوسط« للمستحقات البالغة نحو ٠٠٦ مليون جنيه، فهذا من اختصاصه، لكن أن يقول أن القرار غير سياسي، فهذا ليس من اختصاصه مطلقا. كما انه لاسباغ الصفة الاقتصادية علي القرار، أشارت وزيرة »الفلول« فايزة أبوالنجا، بأن مصر عرضت اتفاقا جديدا علي إسرائيل وتنتظر موافقتها، وكأن القرار لا علاقة له بالسياسة، وإعادة لتفكير نظام مبارك المخلوع! وتأكيدا لهذه الصيغة الاقتصادية لم نستمع لرأي رئيس الحكومة أو المشير أو أي من المجلس العسكري وكأن القرار لا علاقة لهم به.وفي تقديري ان الحكومة صانعة القرار تتحاشي، ردود الأفعال وتتحسب للمخاطر الناجمة عنه حاضرا ومستقبلا، بالإصرار علي هذه الصيغة الاقتصادية، وهو تقليل من التوجه الوطني للقرار نتمني ان تفاخر به الحكومة عما قريب، فهو قرار سياسي بالدرجة الأولي. ولا يمكن لوزير البترول أو وزيرة »الفلول« الحديث في هذا الموضوع إلا بغطاء سياسي.٢- القرار خطوة في طريق الاستقلال السياسي: حيث كان المغرضون وأصحاب المصالح والمنافع الشخصية يبررون تصدير الغاز لإسرائيل من زاوية الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد ومحاولة تضليل الشعب. علي حين ان هذا القرار بالتصدير لا علاقة لها بالاتفاقية نهائيا، فالغاز لم يكن موجودا عام ٨٧٩١، ٩٧٩١. كما ان النص الموجود في الاتفاقية يشير إلي أولوية تصدير بترول سيناء لإسرائيل ضمن المزايدات العالمية فقط وليس إلزاما علي مصر بذلك. ومن ثم فإن القرار أسقط سياسة تزييف وعي الشعب المصري الذي كان يكرس للتبعية، ليأتي قرار وقف التصدير تأكيداً للاستقلال الوطني.٣- القرار له علاقة بالأوضاع الداخلية في مصر، من حيث التوقيت حيث تمر الحكومة بأزمات عنيفة وكذلك المجلس العسكري، والفشل في إدارة الفترة الانتقالية، ومن ثم فإن هذا القرار، قد يرتب لجدل ايجابي ويسهم في استحضار وطنية مفقودة، فيرتفع رصيد الحكومة والمجلس لدي الشعب، باعتبار أن القرار يمكن أن يكون له قبول شعبي واسع بلا جدال.٤- القرار ينزع البعد القومي عن أولويات تيارات الإسلام السياسي الذي لم تتعرض لهذا الموضوع منذ أن احتلت الأغلبية منهم البرلمان المصري، وبدأ أعماله في ٣٢ يناير الماضي، حيث لم يناقش أو يطرح مشروع قانون لإلغاء تصدير الغاز لإسرائيل، أو إلغاء الكويز، أو إلغاء اتفاقيات المعابر، في أي من لجان المجلس. وقد استأت كثيرا من تصريح رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشعب »السيد نجيدة« للأهرام (٤٢/٤) ولا أعرف إن كان من الإخوان أو السلفيين، حيث طالب بعقد جديد بشروط عادلة! الأمر الذي يؤكد عدم أولوية البعد الوطني والقومي لدي هؤلاء، بل ان سياسات التكويش علي السلطة هي الأولوية.وأيا كان الأمر، فإن القرار بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، هو قرار سياسي من الدرجة الأولي، وصدر في توقيت مهم، وله أهداف متعددة بعضها ظاهر وبعضها خفي، وكل تحذيرنا من أن يكون سبيلا لاستقواء مؤقت ومحاولة لاستحضار وطنية غائبة في القرار السياسي إلي حين ممارسة الضغوط وعودة الأمر لما كان عليه واستمرار تصدير الغاز مرة أخري، مثلما حدث في قضية التمويل الأجنبي وتهريب الأمريكيين السبعة بفضيحة غير مسبوقة وثمن رهيب سيدفع عاجلا أو آجلا.وقد كان لي شرف أن أكون النائب الأول الذي اثار في استجواب قدمته للبرلمان في ٢٢ يونيو ٦٠٠٢م، قضية تصدير الغاز لإسرائيل من وراء ظهر البرلمان انتهاكا للدستور، وتصديره بثمن بخس ٥٧.٠ سنت »ثلاثة أرباع دولار« للوحدة، فضلا عن التصدير لإسرائيل هو تصدير لدولة معادية مغتصبة لأرض فلسطين.. الخ. وقد أنكرت الحكومة ذلك، وظللت متمسكا بإثارة القضية حتي أصبحت عامة وملكا للشعب والبرلمان، وأجبرنا الحكومة علي الاعتراف بذلك ورفعنا دعوي لوقف تصدير الغاز باسم الوطنيين من شرفاء مصر، وكسبنا القضية من خلال القضاء المحترم، ولم تلتزم الحكومة في عهد مبارك وكذلك بعد الثورة. ومن ثم فإن هذا القرار يستحق الشكر »المؤقت« للحكومة التي أطالبها بعدم الانحناء أو التراجع حتي لو وصل الأمر لوقف المعونة الأمريكية، لأن الثورة ليست في حاجة لأحد. ولازال الحوار مستمرا ومتصلا |
تعليقات
إرسال تعليق