قاطعوا المشهد العبثى التآمرى حتى تتجدد الثورة
جمال زهران
واهم من يتصور أن «الاستقرار الظاهرى» المرجو بعد الفترة الانتقالية هو الحل، فالأمل هو «الاستقرار الحقيقى» بعد أن تتحقق مطالب الثورة كاملة دون نقصان، ولذلك فإن محاولة الإدماج القهرى للشعب المصرى فى عملية سياسية تثبت الأيام تباعا منذ مساء 11 فبراير 2011 م وحتى الآن، أنها عملية فاشلة، تعكس التآمر المنظم، وآلياته أسلوب الصفقات وفى المقدمة صفقة «المثلث الشيطانى» التى تستهدف تحقيق مصالح الأطراف الثلاثة وهى «المجلس العسكرى/الإخوان المسلمين/ الإدارة الأمريكية»، وفى تقديرى أن كل ما يتم منذ 11 فبراير 2011 بعد إجبار حسنى مبارك على التنحى، هو عملية تآمرية استخدمت فيها كل الأسلحة، تستهدف إجهاض الثورة وإجبار الشعب على النسيان، عبر مراحل التبرير والالتفاف وتشويه الثوار ومحاكمة الشباب واستخدام لغة الرصاص والقوة عند اللزوم ومحاكمة رموز الثورة عبر بلاغات مرتبة والتعجيل بنظرها من النائب العام ومع النيابة العسكرية، فى ذات الوقت الذى يتجاهل هؤلاء بلاغات المواطنين ضد الفساد، وضد رموز نظام مبارك الذين يعيشون حياتهم بشكل طبيعى، ومطلقى السراح، ويتمتعون بالحرية فى التحرك والتنقل والسفر والتهريب والبيع والشراء بل التآمر على الثورة!!، وكأن ثورة لم توجد من الأصل!! أى استهزاء بما حدث فى مصر فى 25 يناير حتى نعيش هذا المشهد العبثى التآمرى؟! من وراء هذا الاستهزاء بالثورة المصرية ودماء الشعب الزكية خاصة دماء الشباب المصرى العظيم الذى فتح صدوره عارية لتلقى رصاص الدولة البوليسية بكل شجاعة من أجل أن يعيش الوطن وتتغير الأوضاع جذرياً ليعيش المصريون فى وضع أفضل، لأن الواقع لم يشهد تغييرا جذرياً، بل يعيش المصريون أسوأ حالاتهم!!
والأغرب أن كل يوم يتلقى أهالى الشهداء الصفعات من الحكم الحالى، حيث تصدر أحكام بالبراءات تباعا حتى وصلت إلى «6» ستة من إجمالى «20» عشرين قضية وقد يقال إن القضاء حر ومستقل، والواقع أثبت أن أغلبه يتلقى التعليمات، والدليل قضية تهريب الأمريكيين السبعة بالتحايل على القضاء وبقراراته!
إذن لا مستغرب من أن نفاجأ بحكم براءة حسنى مبارك القاتل لأكثر من ألف شهيد، وبراءة العادلى ورفاقه، وقد يكون سند القاضى وهيئة المحكمة «عدم كفاية الأدلة»!! أو أن القتلة كانوا من «أطباق طائرة» عبرت المحيطات والبحار والأنهار حتى وصلوا إلى ميدان التحرير وكل ميادين مصر. إن هذا المشهد العبثى إذن يفصح عن نفسه من خلال الوقائع التالية:
1 - صدق توقعاتنا بأن أسلوب إدارة الفترة الانتقالية، هو أسلوب عبثى، وأهدافها هى إجهاض الثورة، وأن محاولة إدماج الشعب فى عملية سياسية طويلة المدى تحقق الغرض وهو الالتفات عن الثورة حتى نسيانها ثم التفرغ التام لرموزها حتى القضاء عليهم.
2 - إن إعادة إنتاج نظام حسنى مبارك بقواعده وسياساته ورموزه تجرى على قدم وساق، كجزء من المخطط التآمرى لإجهاض الثورة ومعاقبة الشعب والثوار على فعلتهم، حتى يستمر الفساد والمفسدون على أرض مصر وكأن الثورة لم تقم ولم تتفجر فى مصر فى 25 يناير 2011 م.
3 - إن انتخابات مجلسى الشعب والشورى التى استمرت نحو خمسة أشهر «أكتوبر 2011 - فبراير 2012»، كانت آلية لإجهاد الثورة وإجهاضها، على خلفية نظام انتخابى مختلط - يعتبر أسوأ أنظمة الانتخابات فى العالم - يؤدى إلى نجاح تيار الإسلام السياسى «الإخوان - السلفيون» بنسبة %70 فى مجلس الشعب و%85 فى مجلس الشورى، وكأن الثورة قد قامت فى مصر من أجل تنصيب فصيل واحد بمتوسط %75، بديلاً عن الحزب الوطنى الفاسد والمستبد!! فأين كل الفصائل السياسية؟ كما أنها كانت بديلاً عن مسار الدستور أولاً، حتى تجنب استحقاقات الثورة العظمية لهذا الشعب العظيم، موهمين الشعب بأن الانتخابات تجلب الاستقرار، وهو الأمر الذى لم يتحقق وفشل البرلمان المنتخب فى تحقيق ذلك، بعد مرور «60» يوما على بدء عمله فى 23 يناير 2011 م.
4 - إن انتخابات مجلسى الشعب والشورى تمت على خلفية توليد مجالس وهمية بلا اختصاصات حقيقية، وسبق أن كتبت مقالا فى هذه الجريدة وعلى هذه الصحفة بعنوان: البرلمان القادم منزوع الاختصاصات وذلك قبل بدء علمية الانتخابات الوهمية التى تأكد أنها خطيئة سياسية، ورد البعض علىّ من مسؤولين فى المجلس العسكرى وتيارات الإخوان والسلفيين بأن ذلك غير صحيح، وأن البرلمان سيمارس عمله كاملاً فى الرقابة وفى التشريع، وهو الأمر الذى ثبت كذبه. وتضليل هؤلاء واضح، فالحكومة تعلن بكل غرور بأن وجودها واستمرارها مرتبط بالمجلس العسكرى وليس بإرادة البرلمان!! ألا يدعو ذلك إلى استقالة «البرلمانيين الأحرار الثوريين»، حفاظا على وضوح النوايا، والانتظار حتى إنجاز الدستور، ثم الانتخابات؟!
5 - ثبت أن الصفقة السياسية كانت تقضى باستمرار الأوضاع دون تغيير جذرى، مع توزيع السلطات، فيكون مجلسا الشعب والشورى من نصيب الإخوان والسلفيين، والرئاسة والسلطة التنفيذية من نصيب العسكريين وأتباعهم، والقضاء متأرجح بين الاستقلال والتغلغل، بما يحافظ على الأوضاع القائمة وإعادة إنتاج نظام مبارك.
6 - إن محاولات جماعة الإخوان المسلمين فى الاستحواذ على السلطات، بعد أن استولت على أغلبية مجلسى الشعب والشورى بعد انقلابها عن وعودها «مشاركة لا مغالبة» فأصبحت «مغالبة لا مشاركة»، اتجهت إلى محاولة الاستيلاء على الحكومة بعد أن فشلت فى إدارة مجلسى الشعب والشورى حتى الآن، ثم التهديد بترشيح مرشح للرئاسة من الإخوان، ويمكن أن يكون أحد رجالات الأعمال فى جماعة الإخوان وجميعها حتى الآن باءت بالفشل، وأصبحت الجماعة تنتقل من فشل إلى فشل!!
7 - إن إصرار الإخوان والسلفيين على إساءة استخدام سلاح الأغلبية فى فرض إرادتهم على المجتمع فى انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور، وتحويلها إلى عملية اختيار بدلا من الانتخاب، وفرض أن تكون نسبة النصف «%50» من عضوية لجنة المائة لإعداد الدستور من نصيب مجلسى الشعب والشورى والباقى من رموز لهم علاقة بالإخوان وحزبهم، الأمر الذى جعل جميع القوى السياسية أو أغلبها يشككون فى نوايا الإخوان فى السير فى طريق «الدستور الإسلامى».
وكان من جراء ذلك رد فعل عنيف، وصل بالأمر إلى ساحة القضاء لإلغاء قرار مجلسى الشعب والشورى، مع صمت المجلس العسكرى الشريك فى الصفقة، ولا يدرى أحد إلى أين نحن سائرون، بينما «الإخوان والمجلس العسكرى تحت الرعاية الأمريكية سائرون فى عمليتهم السياسية وصفقتهم الشيطانية وكأنهم أصبحوا المجتمع كله، وأنه لا يوجد شركاء آخرون، وهو نفس منطق الحزب الوطنى الساقط والفاسد بكل أسف!!
8 - إن علملية انتخابات رئيس الجمهورية بترشيحات رموز النظام السابق أمثال «موسى/شفيق/سليمان/العوا»، وآخرين، إنما تدل على التآمر على الثورة، فبدلاً من أن يتصدر الشباب مشهد القيادة ما بعد الثورة بدلاً من رموز النظام السابق، نجد عواجيز المجلس العسكرى والمخابرات ورؤساء الحكومات السابقة والحالية يتسابقون على الترشح، لإتمام مؤامرة إجهاض الثورة لصالح نظام مبارك وتبرئته، ولصالح قوى عربية عميلة للغرب، ولصالح الطرف الأمريكى، وجميع هؤلاء يعملون ضد الصالح الوطنى، وهم جزء من مشروع الفساد والاستبداد السابق، وجزء من مشروع المؤامرة على الثورة حتى إجهاضها وقتل رموزها معنويا وسياسيا بل جسدياً.
فهل يعقل أن تقوم ثورة بالشباب، ليستولى عليها العواجيز؟! ونذكر - بما ذكرنا به الكاتب إبراهيم عيسى، فى مقالة بتاريخ 23 مارس الماضى بأن ثورة 23 يوليو استقدمت محمد نجيب رمزا لها للتغطية والاستقواء به، وكان يحسب أنه من العواجيز فكان عمره آنذاك «51» سنة فقط!!، وكذلك سعد زغلول الذى تقاعد بعد الثورة ونجاحها وكان عمره «64» سنة فقط!! ويأتى لنا خمسة مرشحين من النظام البائد لحسنى مبارك وجميعهم يتجاوزون «75» سنة!! هل هذا معقول؟! أين الإجراءات الثورية بالعزل السياسى والمحاكمات الثورية والدستور الجديد، والطهارة الثورية ومواجهة الفساد السياسى، وغيره، وأين محاكمات رجال الأعمال الفاسدين.. إلخ؟! إن أحد المرشحين المدعومين من المجلس العسكرى والإخوان على حد الزعم حتى الآن، هو رجل أعمال، وأول رجل أعمال يتولى منصبا وزارياً فى عهد السادات حتى أتى بهم جملة، حسنى مبارك، ليكونوا حكومة رجال الأعمال التى أسقطتها الثورة، زوج ابنته هارب فى فرنسا، ومطلوب للتحقيق، ماذا سيفعل معه حال نجاحه - لا قدر الله؟! إن ما يحدث هو استهزاء بثورة الشعب وبدماء الشهداء.
9 - إن المال السياسى المتدفق على بعض المرشحين للرئاسة من دول عربية محافظة لها مصالح فى استمرار نظام مبارك وسياساته، لافت للنظر، وهو امتداد للمال الذى تدفق فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وكانت النتيجة نجاحا ساحقا لتيارات الإسلام السياسى الموالية لدول الخليج وشبكات المصالح، حيث أدخلوا الشعب فى عملية تضليل وتزييف للوعى، بعنصرى «الدين والفقر»، فكانت النتيجة استمرار نظام مبارك وسياساته، ومحاولة إجهاض الثورة العظمية.
10 - إن «كارتل» الإعلام الخاص الآن، حيث تجرى عملية استحواذ كبيرة على القنوات الفضائية، موزعة بين فريقى المال من رموز مبارك، والدين من مشايخ الخليج، والنتيجة غسيل أدمغة المصريين وإعدادهم لقبول مشاهد المسرحية الهزلية وقبول الوضع القائم قهراً، ونسيان الثورة، والزعم بتطهير مصر من المخربين الذين هم رموز الثورة الحقيقيون، وهؤلاء جميعاً مشبوهون وسنفضح سلوكهم ونواياهم، لكن الأخطر هو ما يذكرنا به هذا الوضع حيث عملية دمج العمالقة من شركات توظيف المال فى زمن حسنى مبارك «الشريف والريان»!! وعندما تيقن النظام من خطورة ذلك، وجه لهم ضربة عاتية قضت عليهم!!
والأخطر أيضاً أن ما يتم تحت سمع وبصر وحماية المجلس العسكرى، ودون رقابة تذكر من أغلبية مجلسى الشعب والشورى رغم مرور 60 يوما على عمل المجلسين!!
مازال فى الجعبة الكثير «تصالح بالمال ورد المسروق مقابل العفو، والدية مقابل العفو عن القاتلين، والسيطرة على الإعلام..إلخ»، سيأتى الحديث عنه لاحقاً، لكننى أرى أن مقاطعة هذه المسرحية العبثية هى المدخل لإجهاض مخطط إجهاض الثورة.. وأن الاستمرار فى مسرحية انتخابات الرئاسة مثل انتخاب المجلسين، هو مشاركة فى إجهاض الثورة، وأن المشاركة فى لجنة إعداد الدستور تحت سيطرة الإسلام السياسى عملية محفوفة بالمخاطر، ولذلك أرى ما ذهب إليه وائل قنديل فى عموده يوم 23/3 بالشروق، «على غرباء البرلمان أن يعودوا فوراً من المتاهة إلى حضن الوطن وينتظموا فى صفوف الثورة إن كانوا مؤمنين حقاً بأن الثورة لم تقم لإعادة إنتاج النظام القديم»، وأضيف أن المقاطعة هى الحل حتى تتجدد الثورة، وهو أمر محتمل بدرجة عالية وستنصر الثورة بإذن الله، ومازال الحوار مستمراً.
تعليقات
إرسال تعليق