هل إنهاء حالة الطوارئ دستوريا تلغي قانون إصدارة الدكتور عادل عامر

هل إنهاء حالة الطوارئ دستوريا تلغي قانون إصدارة

الدكتور عادل عامر

يمثل مبدأ المشروعية صمام آمان بالنسبة للحقوق و حريات الأفراد. و هو الحصن الذي يكفل صيانتها و حمايتها من كل اعتداء وبين القواعد القانونية باعتباره الحارس الأمين لقواعد القانون من أن تنتهك نتيجة عمل من أعمال الإدارة. و لا يكفل مبدأ المشروعية حماية حقوق الأفراد فقط، بل يحمي أيضا و يصون حرياتهم. ذلك أن السلطة الإدارية إن كان معترف لها في كل الأنظمة القانونية باتخاذ إجراءات الضبط للمحافظة على النظام العام ، فإن ممارسة هذه السلطة مقيد بمراعاة مبدأ المشروعية . فلا يجوز للسلطة الإدارية اتخاذ إجراءات الضبط خارج إطار و دواعي النظام العام. فإن ثبت ذلك تعين النطق بإلغاء القرار الإداري، إما من جانب القضاء بعد رفع الأمر إليه، أو من جانب السلطة الإدارية ( الولائية أو الرئاسية) . فقد فوجئت ما اعلنة المستشار طارق البشري عندما أعلن من خلال الصحف المصرية الصباحية انتهاء حالة الطوارئ في مصر أمس طبقا للإعلان الدستوري الصادر يوم‏30‏ مارس الماضي‏, ‏ وفي ضوء الفقرة الأخيرة من المادة‏59‏ التي تنص علي عدم جواز مد حالة الطوارئ أكثر من‏6‏ أشهر‏,‏ إلا بعد استفتاء شعبي‏.‏ وقال وفقا لهذه المادة فإن الطوارئ انتهت‏,‏ وإن المجلس العسكري لم يلجأ لإجراء استفتاء شعبي عندما قرر تفعيل حالة الطوارئ والعمل بها‏,‏ مؤكدا أن المجلس العسكري لا يملك وحده سلطة مد حالة الطوارئ‏.‏

لهذا نقول لسيادة المستشار إن حالة الطوارئ معلنة بموجب قانون أقره مجلس الشعب السابق عام‏2010‏ وهي مستمرة طبقا لهذا القانون حتى شهر يونيو العام المقبل والإعلان الدستوري لا يلغي حالة الطوارئ و أن قرارات المجلس العسكري بتفعيل بعض مواد قانون الطوارئ لمواجهة الانفلات الأمني لها قوة القانون باعتبارها صادرة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المفوض من الشعب‏,‏ ولا يحتاج المجلس إلي مواد دستورية جديدة في إصداره قانون الطوارئ لضبط الانفلات الأمني‏.‏ أن حالة الطوارئ سارية حتى 31/5/2012 بحكم الدستور، ولم تنته فالمجلس العسكري لم يصدر قراراً بإعلان أو مد حالة الطوارئ، فحالة الطوارئ معلنة بالقرار الجمهوري رقم 560 لسنة 1981، وتم مدها بمقتضى القرار الجمهوري رقم 126 لسنة 2010، الذي نص في المادة الأولى منه على مد حالة الطوارئ المعلنة بالقرار الجمهوري رقم 560 لسنة 1981، لمدة سنتين اعتبارا من أول يونيه 2010 وحتى 31/5/2012، وأصبح له قوة القانون بموافقة مجلس الشعب عليه، والذي مازال سارياً حتى انتهاء المدة المحددة لانتهاء حالة الطوارئ في 31/5/2012. فإن ما تم اتخاذه من المجلس العسكري بمقتضى قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 193 لسنة 2011 هو مجرد تعديل لبعض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2011، وقد تناول التعديل نص المادة الثانية من هذا القرار التي تحدد الحالات التي تطبق عليها الأحكام المترتبة على إعلان حالة الطوارئ خلال مدة سريانها دون أن يمس مسألة إعلان حالة الطوارئ أو مدها، وقد جاء هذا التعديل متفقاً مع السلطات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المنصوص عليها في المادة 56 من الإعلان الدستوري والتي تمنحه سلطة التشريع والسلطات والاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين.

إن السمة البارزة للدولة الحديثة أنها دولة قانونية تسعى إلى فرض حكم القانون على جميع الأفراد في سلوكهم ونشاطهم، وكذلك فرضه على كل هيئات الدولة المركزية و المحلية وسائر المرافق العامة. ومن هنا تبرز العلاقة بين مفهوم الدولة القانونية و مبدأ المشروعية ، ذلك أن إلزام الحكام و المحكومين بالخضوع لقواعد القانون، و تحكم هذا الأخير في تنظيم و ضبط سائر التصرفات و النشاطات، لهو مظهر يؤكد قانونية الدولة أو وجود ما يسمى بدولة القانون . ويقصد بمبدأ المشروعية الخضوع التام للقانون سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة. و هو ما يعبر عنه بخضوع الحاكمين و المحكومين للقانون و سيادة هذا الأخير و علو أحكامه و قواعده فوق كل إرادة سواء إرادة الحاكم أو المحكوم. إذ لا يكفي أن يخضع الأفراد و حدهم للقانون في علاقاتهم الخاصة، بل من الضروري أن تخضع له أيضا الهيئات الحاكمة في الدولة على نحو تكون تصرفات هذه الهيئات و أعمالها و علاقاتها المختلفة متفقة مع أحكام القانون و ضمن إطاره. ويعد مبدأ المشروعية أحد أهم مبادئ القانون على الإطلاق، لما له من أثر على صعيد علم القانون ككل بمختلف فروعه و أقسامه العامة و الخاصة. وكلما ظهر مبدأ المشروعية و بدت آثاره و معالمه و نتائجه كلما اختفت مظاهر الدولة البوليسية. ذلك أن مبدأ المشروعية يمثل الضابط العام للدولة في علاقاتها المختلفة مع الأفراد. فلا يجوز لها طبقا لهذا المبدأ أن تأتي سلوكا مخالفا للقانون بإصدار قرار غير مشروع.وإن بادرت إلى فعله تعين على القضاء بعد رفع الأمر إليه التصريح بإلغاء هذا القرار محافظة على دولة القانون. لا يقصد بمبدأ المشروعية خضوع الدولة للقانون بمعناه الضيق كمجموعة نصوص رسمية صادرة عن السلطة التشريعية ، وإنما المقصود به خضوعها للقانون بالمفهوم العام و الشامل و الواسع الذي يضم مختلف القواعد القانونية في الدولة، بدءا بالقواعد الدستورية و القواعد الواردة في المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و قواعد القانون العادي بل و نصوص التنظيم أو ما يطلق عليه باللوائح. و يمتد سريان مبدأ المشروعية ليشمل كل مصادر المشروعية من قواعد مكتوبة و غير مكتوبة. فيشمل التشريع لما يحتويه من قواعد متدرجة من حيث القوة و الإلزام من قواعد الدستور و المعاهدات و التشريع العادي و اللوائح. أما عن سريان المبدأ من حيث سلطات و هيئات الدولة فمبدأ المشروعية ملزم لكل الهيئات و هياكل الدولة بصرف النظر عن موقعها أو مركزها أو نشاطها و حتى طبيعة قراراتها. إذا كان منوط بالسلطة القضائية في كل الدول الفصل في الخصومات و المنازعات المعروضة عليها طبقا للإجراءات و بالكيفية التي حددها القانون، فإن هذه السلطة هي الأخرى مكلفة بالخضوع لمبدأ المشروعية في أعمالها . فإذا كان القانون قد رسم قواعد الاختصاص النوعي و نظم عمل جهات قضائية معينة كأن وزع الاختصاص بين جهات القضاء العادي و الإداري، فإنه لا يجوز لجهة قضائية ذات طبيعة إدارية مثلا أن تفصل في خصومة مدنية هي من اختصاص المحاكم المدنية. فكأنما مبدأ المشروعية يلزم كل سلطة من السلطات بأن تعمل في إطار قانوني محدد فإن حادث عنه، عد عملها غير مشروع و نجم عنه البطلان. من أجل ذلك تدخل المشرع ضابطا مجال اختصاص السلطات الثلاث المذكورة بقواعد جزائية تكفل قانون العقوبات بتحديدها. و بهدف تفعيل مبدأ المشروعية أقرت مختلف الأنظمة القانونية أطرا رقابية معينة كالرقابة على دستورية القوانين التي تمارسها المحاكم الدستورية أو المجالس الدستورية. و الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة من خلال آليات الأسئلة الشفوية و المكتوبة و من خلال لجان التحقيق. و الرقابة الإدارية التي تمارسها الوزارات المختلفة و الهيئات و اللجان الخاصة بالكيفية التي حددها القانون. والرقابة القضائية التي تمارسها المحاكم على اختلاف درجاتها . و الغرض الأساس من خلال ممارسة كل هذه الأشكال من الرقابة هو العمل على تجسيد دولة القانون في أرض الواقع و التي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال مبدأ المشروعية. وعليه حق لنا وصف القضاء بأنه الدرع الواقي لمبدأ المشروعية. و هو من يحفظ مكانته و هيبته و يفرض الخضوع له . وهذه كلها تمثل معالم و مظاهر دولة القانون.

بناء علية يكون الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الاعلي للقوات المسلحة لا يلغي القانون الصادر بإعلان حالة الطوارئ والتي تنتهي في نهاية يونيو 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مكانه حواء في المجتمع للروائيه والقاصه سيرين محرزيه الشهابي

- الهلب للمبيدات و الكيماويات " عبد الرحمن السماحى " : عمال شركة الهلب للمبيدات والكيماويات يوقعون اليوم اتفاقا يلبى مطالبهم