أمين عام هيئة الأمم ومنظماتها
أمين عام هيئة الأمم ومنظماتها - منير شفيق
السبت، 23 تموز 2011 16:04
لعل أخطر ما حدث بعد انتهاء الحرب الباردة على مستوى العلاقات الدولية، كانت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على منظمات هيئة الأمم المتحدة ولا سيما في عهد بان كي مون الأمين العام الذي جدّدت ولايته مؤخراً.
كان التنازع شديداً في مرحلة الحرب الباردة حول السيطرة على منظمات هيئة الأمم ابتداء من الأمانة العامة. فمن جهة كان لا مفر من أن يتم التوافق السوفياتي-الصيني-الأمريكي على اختيار الأمين العام. الأمر الذي كان يترك، من جهة أخرى، هامشاً للتحرك باستقلالية نسبية بين المعسكرين الغربي والشرقي مع مراعاة نسبية لإرادة دول كتلة عدم الإنحياز.
صحيح أن الأمناء العامين لهيئة الأمم المتحدة كانوا أقرب للولايات المتحدة عموماً. ولكنهم ما كانوا يدارون من خلال وزارة الخارجية الأمريكية كما حدث منذ تسلّم بان كي مون الأمانة العامة للهيئة الدولية.
شغل بان كي مون قبل توليه المنصب وزيراً لخارجية كوريا الجنوبية، ما يعني أن تاريخه في العمل السياسي ارتبط بوزارة الخارجية الأمريكية إن لم يكن بـ"السي.آي.إي". فكوريا الجنوبية منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1952 استتبعت مباشرة لأمريكا. ولم يُعرف عنها منذ ذلك الوقت أن اتخذت موقفاً سياسياً خارج الإرادة الأمريكية. وهذا لم يحدث إلاّ مع القليل القليل من الدول التي هيمنت عليها أمريكا فبان كي مون، كما ثبت منذ توليه منصب الأمين العام، تحرك بالصغيرة والكبيرة ضمن التعليمات الصادرة له من الخارجية الأمريكية. الأمر الذي يسمح باعتباره أحد موظفيها. ولكن من دون حق الإسهام في مناقشة السياسات كما هو الحال بالنسبة إلى كبار موظفي الخارجية الأمريكية. فالرجل لا رأي له غير ما يصله من تعليمات وأوامر.
لقد استفردت الإدارة الأمريكية خلال العشر السنوات الماضية بالسيطرة على المنظمات الدولية بما فيها الصليب الأحمر الدولي الذي ينفرد مديره الحالي عن كل المديرين السابقين لهذه المؤسسة الدولية، في تنفيذه الصارم للتعليمات الأمريكية- الصهيونية.
إن السبب الذي سمح للإدارات الأمريكية بعد الحرب الباردة أن تسيطر على أغلب المنظمات التابعة للأمم المتحدة كما الصليب الأحمر الدولي، يعود إلى تجنب الدول الكبرى الأخرى الصراع معها في أي قضية لا تمسّ القضايا بكل دولة منها. فمثلاً إذا اقتربت أمريكا من التبت أو بحر الصين أو تسليح تايوان تواجه موقفاً صينياً حاسماً. ولكن ما عدا ذلك بالنسبة إلى القضايا الأخرى بما فيها منظمات هيئة الأمم المتحدة، فالموقف الصيني جاهز لمسايرتها، أو عقد صفقة معها. والحال كذلك بالنسبة إلى روسيا والدول الأخرى.
أما مجموعة دول عدم الإنحياز، وفي المقدمة، الدول العربية ولا سيما في العشر السنوات الأخيرة، فقد تركت الميدان لأمريكا لتنفرد في التحكم بقيادات المنظمات الدولية عدا انتخابات أمانة الأونيسكو التي حاولت مصر أن تخوض معركتها. ولكن مع الاستعداد لعدم الوصول إلى مواجهة فعلية حول الموضوع بدليل عدم استخدام ما كان يمكنها استخدامه من أوراق في تلك المعركة. واكتفت بخوضها بنصف قلب كما يقولون.
وخلاصة، أصبحت الأمانة العام لهيئة الأمم المتحدة دائرة من دوائر وزارة الخارجية الأمريكية (والصهيونية كذلك) وغدت منظمة الصليب الأحمر الدولي مثلها دائرة أخرى في الخارجية الأمريكية (انظر مثلاً الموقف من موضوع نجمة داوود أو من قطاع غزة أو ما يرتكبه الإحتلال الأمريكي في العراق). هذا ويمكن تأكيد القول نفسه بالنسبة إلى الأونيسكو وإلى المفوض العام للوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأغلب المنظمات المشابهة التي أصبحت تحت السيطرة الأمريكية-الصهيونية، وأخطرها "محكمة الجنايات الدولية" التي أصبحت ألعوبة بيد أمريكا والصهيونية.
من هنا جاء القرار الخطير الذي اتخذه المفوض العام للأونروا بتغيير اسمها إلى وكالة اللاجئين عموماً، والتخلي عن عدد من المهمات التي كانت تقوم بها باعتبارها مختصة باللاجئين الفلسطينيين فقط، ولا علاقة لها بأي حالة لجوء أخرى. وذلك لأن هنالك هيئة أخرى تتولى قضايا اللاجئين في العالم.
عندما يغيّر المفوض العام اسم الوكالة نازعاً عنه صفته الفلسطينية يكون قد خالف القرار الذي أنشأ الوكالة، وانحرف بالهدف الجوهري الذي قامت الوكالة من أجله وبقرار من الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وقد ربطت الجمعية العامة هذا القرار بقرار حق العودة، عملياً، لأن عمل وكالة الأونروا لا يتوقف إلاّ بعد حل قضية اللاجئين بعودتهم وليس بأي حل آخر.
فقرار تغيير اسم "الأونروا" وعدد من مهامها مرتبط بالسياسات الأمريكية- الصهيونية التي تستهدف إسقاط حق العودة كما إسقاط حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن السؤال كيف يجوز أن يمرّ مثل هذا القرار من دون أن تقوم الدنيا وتقعد على رأس المفوض العام الذي اتخذه ومن ورائه بان كي مون الأمين العام.
هذا ما يجب أن تسمعه سلطة رام الله جيداً وعدم الاكتفاء بييان شكلي يمرّر القرار في نهاية المطاف. وهذا ما يجب أن تسمعه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فالمفوض العام المذكور يجب أن يسقط ويشهّر به. ويُفرض إلغاء قراره فوراً.
المأساة المستجدة الأخرى آتية من الأونيسكو وموقفها من اعتبار القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني. فنحن هنا، أيضاً، أمام قيادة منظمة تعمل لحساب الصهيونية ووزارة الخارجية الأمريكية.
لم يصل الأمر بالأونيسكو لطرح موضوع القدس على أجندة أعمالها إلاّ بعد مواقف لا تقل خطورة. وذلك عبر سكوتها المخزي والمخالف لأساس أهدافها ودورها مما يجري من تهويد للقدس وتغيير في تراثها الحضاري والثقافي والإنساني والتاريخي. ودعك من فضيحة الأونيسكو المدويّة حين لا تتحرك، ولو بالبيان، ضدّ ما يجري من حفريات تحت المسجد الأقصى وتهديده بالهدم. فإلى جانب الأهمية الدينية الكبرى للمسجد الأقصى بالنسبة إلى الإسلام والعرب والمسلمين فهنالك أهميته باعتباره من أبرز وأهم المعالم التراثية والمعمارية والثقافية الإنسانية. فالأونيسكو ترتكب بحق القدس وتراثها جريمة لا تغتفر بسبب تبعيتها للصهيونية ووزارة الخارجية الأمريكية.
لا يحق لحكومة عربية أو إسلامية أن تستبقي عضويتها في منظمة الأونيسكو إذا لم تتوقف فوراً سياساتها إزاء ما يجري في القدس وفلسطين بشقيها المحتل 1948، والمحتل 1967. وهنا يجب أن تجمل مصر والجامعة العربية مسؤولية خاصة حولها، فيما يجب أن تحمّل للسعودية وتركيا مسؤولية خاصة في عدم تحريك منظمة المؤتمر الإسلامي في مواجهتها.
أما على المستوى الأوسع فيجب أن يتخذ موقف حاسم عربي-إسلامي-عالم ثالثي، ولا سيما برازيلي-هندي-تركي-إيراني، للمطالبة بإلغاء مجلس الأمن الحالي، أو تغيير وضعه جذرياً، كما لوضع حد لسيطرة الإدارة الأمريكية على أمانة الأمم المتحدة وعلى المنظمات التابعة لها. لأن المطلوب أن تكون هنالك شرعية دولية تمثل كل الدول وتكون ثمة منظمات تابعة للأمم المتحدة تعبّر عن إرادة الجمعية العامة وليس وزارة الخارجية الأمريكية والسياسات الصهيونية
السبت، 23 تموز 2011 16:04
لعل أخطر ما حدث بعد انتهاء الحرب الباردة على مستوى العلاقات الدولية، كانت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على منظمات هيئة الأمم المتحدة ولا سيما في عهد بان كي مون الأمين العام الذي جدّدت ولايته مؤخراً.
كان التنازع شديداً في مرحلة الحرب الباردة حول السيطرة على منظمات هيئة الأمم ابتداء من الأمانة العامة. فمن جهة كان لا مفر من أن يتم التوافق السوفياتي-الصيني-الأمريكي على اختيار الأمين العام. الأمر الذي كان يترك، من جهة أخرى، هامشاً للتحرك باستقلالية نسبية بين المعسكرين الغربي والشرقي مع مراعاة نسبية لإرادة دول كتلة عدم الإنحياز.
صحيح أن الأمناء العامين لهيئة الأمم المتحدة كانوا أقرب للولايات المتحدة عموماً. ولكنهم ما كانوا يدارون من خلال وزارة الخارجية الأمريكية كما حدث منذ تسلّم بان كي مون الأمانة العامة للهيئة الدولية.
شغل بان كي مون قبل توليه المنصب وزيراً لخارجية كوريا الجنوبية، ما يعني أن تاريخه في العمل السياسي ارتبط بوزارة الخارجية الأمريكية إن لم يكن بـ"السي.آي.إي". فكوريا الجنوبية منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1952 استتبعت مباشرة لأمريكا. ولم يُعرف عنها منذ ذلك الوقت أن اتخذت موقفاً سياسياً خارج الإرادة الأمريكية. وهذا لم يحدث إلاّ مع القليل القليل من الدول التي هيمنت عليها أمريكا فبان كي مون، كما ثبت منذ توليه منصب الأمين العام، تحرك بالصغيرة والكبيرة ضمن التعليمات الصادرة له من الخارجية الأمريكية. الأمر الذي يسمح باعتباره أحد موظفيها. ولكن من دون حق الإسهام في مناقشة السياسات كما هو الحال بالنسبة إلى كبار موظفي الخارجية الأمريكية. فالرجل لا رأي له غير ما يصله من تعليمات وأوامر.
لقد استفردت الإدارة الأمريكية خلال العشر السنوات الماضية بالسيطرة على المنظمات الدولية بما فيها الصليب الأحمر الدولي الذي ينفرد مديره الحالي عن كل المديرين السابقين لهذه المؤسسة الدولية، في تنفيذه الصارم للتعليمات الأمريكية- الصهيونية.
إن السبب الذي سمح للإدارات الأمريكية بعد الحرب الباردة أن تسيطر على أغلب المنظمات التابعة للأمم المتحدة كما الصليب الأحمر الدولي، يعود إلى تجنب الدول الكبرى الأخرى الصراع معها في أي قضية لا تمسّ القضايا بكل دولة منها. فمثلاً إذا اقتربت أمريكا من التبت أو بحر الصين أو تسليح تايوان تواجه موقفاً صينياً حاسماً. ولكن ما عدا ذلك بالنسبة إلى القضايا الأخرى بما فيها منظمات هيئة الأمم المتحدة، فالموقف الصيني جاهز لمسايرتها، أو عقد صفقة معها. والحال كذلك بالنسبة إلى روسيا والدول الأخرى.
أما مجموعة دول عدم الإنحياز، وفي المقدمة، الدول العربية ولا سيما في العشر السنوات الأخيرة، فقد تركت الميدان لأمريكا لتنفرد في التحكم بقيادات المنظمات الدولية عدا انتخابات أمانة الأونيسكو التي حاولت مصر أن تخوض معركتها. ولكن مع الاستعداد لعدم الوصول إلى مواجهة فعلية حول الموضوع بدليل عدم استخدام ما كان يمكنها استخدامه من أوراق في تلك المعركة. واكتفت بخوضها بنصف قلب كما يقولون.
وخلاصة، أصبحت الأمانة العام لهيئة الأمم المتحدة دائرة من دوائر وزارة الخارجية الأمريكية (والصهيونية كذلك) وغدت منظمة الصليب الأحمر الدولي مثلها دائرة أخرى في الخارجية الأمريكية (انظر مثلاً الموقف من موضوع نجمة داوود أو من قطاع غزة أو ما يرتكبه الإحتلال الأمريكي في العراق). هذا ويمكن تأكيد القول نفسه بالنسبة إلى الأونيسكو وإلى المفوض العام للوكالة الدولية لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأغلب المنظمات المشابهة التي أصبحت تحت السيطرة الأمريكية-الصهيونية، وأخطرها "محكمة الجنايات الدولية" التي أصبحت ألعوبة بيد أمريكا والصهيونية.
من هنا جاء القرار الخطير الذي اتخذه المفوض العام للأونروا بتغيير اسمها إلى وكالة اللاجئين عموماً، والتخلي عن عدد من المهمات التي كانت تقوم بها باعتبارها مختصة باللاجئين الفلسطينيين فقط، ولا علاقة لها بأي حالة لجوء أخرى. وذلك لأن هنالك هيئة أخرى تتولى قضايا اللاجئين في العالم.
عندما يغيّر المفوض العام اسم الوكالة نازعاً عنه صفته الفلسطينية يكون قد خالف القرار الذي أنشأ الوكالة، وانحرف بالهدف الجوهري الذي قامت الوكالة من أجله وبقرار من الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وقد ربطت الجمعية العامة هذا القرار بقرار حق العودة، عملياً، لأن عمل وكالة الأونروا لا يتوقف إلاّ بعد حل قضية اللاجئين بعودتهم وليس بأي حل آخر.
فقرار تغيير اسم "الأونروا" وعدد من مهامها مرتبط بالسياسات الأمريكية- الصهيونية التي تستهدف إسقاط حق العودة كما إسقاط حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن السؤال كيف يجوز أن يمرّ مثل هذا القرار من دون أن تقوم الدنيا وتقعد على رأس المفوض العام الذي اتخذه ومن ورائه بان كي مون الأمين العام.
هذا ما يجب أن تسمعه سلطة رام الله جيداً وعدم الاكتفاء بييان شكلي يمرّر القرار في نهاية المطاف. وهذا ما يجب أن تسمعه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فالمفوض العام المذكور يجب أن يسقط ويشهّر به. ويُفرض إلغاء قراره فوراً.
المأساة المستجدة الأخرى آتية من الأونيسكو وموقفها من اعتبار القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني. فنحن هنا، أيضاً، أمام قيادة منظمة تعمل لحساب الصهيونية ووزارة الخارجية الأمريكية.
لم يصل الأمر بالأونيسكو لطرح موضوع القدس على أجندة أعمالها إلاّ بعد مواقف لا تقل خطورة. وذلك عبر سكوتها المخزي والمخالف لأساس أهدافها ودورها مما يجري من تهويد للقدس وتغيير في تراثها الحضاري والثقافي والإنساني والتاريخي. ودعك من فضيحة الأونيسكو المدويّة حين لا تتحرك، ولو بالبيان، ضدّ ما يجري من حفريات تحت المسجد الأقصى وتهديده بالهدم. فإلى جانب الأهمية الدينية الكبرى للمسجد الأقصى بالنسبة إلى الإسلام والعرب والمسلمين فهنالك أهميته باعتباره من أبرز وأهم المعالم التراثية والمعمارية والثقافية الإنسانية. فالأونيسكو ترتكب بحق القدس وتراثها جريمة لا تغتفر بسبب تبعيتها للصهيونية ووزارة الخارجية الأمريكية.
لا يحق لحكومة عربية أو إسلامية أن تستبقي عضويتها في منظمة الأونيسكو إذا لم تتوقف فوراً سياساتها إزاء ما يجري في القدس وفلسطين بشقيها المحتل 1948، والمحتل 1967. وهنا يجب أن تجمل مصر والجامعة العربية مسؤولية خاصة حولها، فيما يجب أن تحمّل للسعودية وتركيا مسؤولية خاصة في عدم تحريك منظمة المؤتمر الإسلامي في مواجهتها.
أما على المستوى الأوسع فيجب أن يتخذ موقف حاسم عربي-إسلامي-عالم ثالثي، ولا سيما برازيلي-هندي-تركي-إيراني، للمطالبة بإلغاء مجلس الأمن الحالي، أو تغيير وضعه جذرياً، كما لوضع حد لسيطرة الإدارة الأمريكية على أمانة الأمم المتحدة وعلى المنظمات التابعة لها. لأن المطلوب أن تكون هنالك شرعية دولية تمثل كل الدول وتكون ثمة منظمات تابعة للأمم المتحدة تعبّر عن إرادة الجمعية العامة وليس وزارة الخارجية الأمريكية والسياسات الصهيونية
تعليقات
إرسال تعليق