سيناريوهات التغييروازمه الدستورالمصرى

سيناريوهات التغيير ومأزق الدستور المصري
د. صلاح ابو الفضل
دخلت مصر بوابة القرن الجديد والصعوبات تحدق بها من كل جانب. العالم يتغير من حولها وهي ترزح تحت نظام متجمد يعاني من إفلاس في الرؤية ونقص في الهمة وسوء في النية. وحين ننظر إلى حصاد سنواته الثلاثين لا نجد إلا بنية تحتية ضعيفة تركزت حول الكباري والمحاور وشبكات التليفونات، ونظام اقتصاد حر تآكلت فيه القاعدة الصناعية والتجارية لمصر، واستفحل فيه الفساد، وتمحور أداؤه حول صفقات الخصخصة وتوزيع الأراضي. نظام لازال جهازه الإداري متهالكا يعمل في بعض المصالح بنسخ الكربون، ولازالت قاعدته العلمية ممنوعة من الصرف، انهمكت مؤسساتها التعليمية في إفراز الخريجين من دون التفات لنوعية ما تعلموه، ومن دون ربط نظم التعليم بحاجات التنمية الاجتماعية. ومجتمع تهدده نزعات التفرقة والتطرف الديني ولايزال موزعا بين دعاوى السلفية الخانقة والنزوع الى زخرف الغرب الأجوف. وهكذا ضعفت مكانة مصر وتراجعت في المحيط العربي والدولي.
وعما قريب ستنتهي ولاية الرئيس مبارك وتقترب مصر من مفترق طرق جديد، تكاد أن تسقط عنده في هاوية سحيقة. فالمشهد الوطني غائم والرؤى مهزوزة وتفتقر الى الوجهة السليمة، والمصريون يتوقون للتغيير. ورغم فشل هذا النظام في نقل مصر إلى آفاق المستقبل فإنه يصر على التمسك بالسلطة بعناد أحمق يغامر فيه بالسلام الاجتماعي للوطن. والمعضلة أن البدائل موجودة والاختيارات ممكنة، لكن شيئا ما في هواء بلادنا يخدر العزائم ويصم الآذان ويحول بقوة جهنمية بين المصريين وبين فتحة في الجدار الأصم ينفذون منها الى المستقبل.
فمع اقتراب لحظة تداول السلطة (سواء لحقت بتغيير مجلس الشعب أو سبقته) سوف نصطدم بذلك الحائط المصمط وهو الدستور الحالي المعيب. وسوف نواجه مسرحية سبق الإعداد لها على طريقة التلفزيون المصري بسيناريو متهافت وإخراج هزيل وممثلين محدودين في القدرة سيئين في الأداء.
ولا يبدو حتى الآن أن القوى الوطنية قد اتفقت فيما بينها على كيفية معالجة الأمور أو أعدت السيناريو البديل، ولازالت رموزها تتجادل حول أهمية عقد الاجتماعات من عدمها، وتختلف حول من يحضر ومن يستبعد. وكما قلنا من قبل فالظرف التاريخي عاجل وملح، ولا يحتمل أن تدخل مصر سباق العصر الحديث بأفكار قديمة ظلت تحكمها لثلاثين عاما، والآن يراد تلميعها لتفصيل عباءة منها لابن الزعيم.
إن ميزان القوة سينتقل في العصر الجديد من الغرب الى الشرق، وستتحول الأنظار أقرب مما يتصور كثيرون عن ألوان الغرب ومباهجه، الى أنظمة جديدة تنتظم فيها المجتمعات في أنساق نهضوية جادة ترتبط فيها الديمقراطية بعملية التنمية والشراكة الاجتماعية، مثل الهند والصين وسنغافورة وروسيا الحديثة. إننا نشهد أمام أعيننا بدايات تصدع نظام الرأسمالية العالمية البغيض، ومع ذلك ففلول النظام الحالي تنتمي إليه وتعد العدة للتوريث ولتسييد حكومة رجال الأعمال علينا لعقود طيلة. وذلك تفريط جنوني في مستقبل مصر، والشارع المصري لن يقبل به. فهل يعقل أن نسعى بأنفسنا لكي نظل في ذيل القائمة؟ وكيف لا نرى مؤشرات التطور العالمي التي تلمع أمام عيوننا.
إن سيناريو السلطة المعد ليس صعبا على التوقع، وهو يتكون من فصلين أحدهما تفعيل المادة 76 من الدستور لترشيح ابن الرئيس أو ضابط من الجيش، ثم ابتزاز المؤسسة الاجتماعية بكل الوسائل لتمرير المرشح. ولتكملة الصورة سيتم تشجيع أكبر عدد ممكن من المرشحين المضادين لإسباغ الشرعية على النظام وسيكون هناك في المعارضة من يشعرون بأن هذا في مصلحتهم الوقتية حتى ولو كان الثمن دفن آمال مصر في التقدم.
إن الشعور الوطني العارم لازال ضد التوريث وهو أيضا ضد عودة الحكم العسكري. وقد قطعت حركة المعارضة شوطا طويلا في رفض التوريث، لكنها لم تبلور بديلا عمليا لسيناريو السلطة المعد سلفا.
من هنا فإن الأفكار التي طرحها الدكتور البرادعي تشكل أنسب مدخل لرفض تفعيل المادة 76، التي يجمع فقهاء القانون على عدم دستوريتها، وعليه فإن السيناريو المضاد يمكن أن يتبلور عند لحظة وجوب انتقال السلطة، وذلك بالإجماع على عدم الدخول في أي انتخابات برلمانية كانت أو رئاسية قبل تعديل الدستور وضمان شفافية العمليات الانتخابية، والدفع القضائي بعدم دستورية مواد الدستور المعيبة، ومن ثم المطالبة بفترة انتقالية محددة تتكون فيها حكومة إئتلافية لتسيير دفة الأمور، بينما يتم تشكيل جمعية وطنية لصياغة دستور جديد لدولة مدنية حديثة تقوم على الديمقراطية والمساواة كأساس للمواطنة وبقية أفكار بيان 4 كانون الاول/ ديسمبر وأهمها الفصل التام بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية مع التوازن الدقيق والرقابة المتبادلة بينها، والحد من السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية لصالح مؤسسات الدولة، والتوازن بين الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية.
ان الدكتور البرادعي أعلن أكثر من مرة أنه لا يهمه ترشيح نفسه للرئاسة ولذلك فإن عزوفه يجعله أصلح من يقود هذه المرحلة الانتقالية لإرساء دعائم هذه الدولة الحديثة. وقد أعلن هو أنه بمجرد تعديل الدستور سيصبح الباب مفتوحا للجميع في نظام ديمقراطي حقيقي وبانتخابات شفافة يشارك فيها المصريون كلهم من أجل مستقبل جديد. إن هذا السيناريو يمكن فقط أن يتحقق لو التفت حوله جموع المصريين والقوى الوطنية وهو سيناريو جدير بمصر وأبنائها.
' منسق الجمعية الوطنية للتغيير في

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مكانه حواء في المجتمع للروائيه والقاصه سيرين محرزيه الشهابي

- الهلب للمبيدات و الكيماويات " عبد الرحمن السماحى " : عمال شركة الهلب للمبيدات والكيماويات يوقعون اليوم اتفاقا يلبى مطالبهم